Wednesday, June 24, 2009

ثلاثون سبب للسعادة د/عائض القرنى 1




السبب الأول


فكر واشكر
والمعنى أن تذكر نعم الله عليك , فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت قدميك (( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها )) صحة في بدن، أمن في وطن، غذاء وكساء، وهواء وماء، لديك الدنيا وأنت ما تشعر، تملك الحياة وأنت لا تعلم (( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً )) عندك عينان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان (( فبأي آلاء ربكما تكذبان )) . هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك، وقد بترت أقدام, وأن تعتمد على ساقيك، وقد قطعت سوق، أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير، وأن تملاً معدتك من الطعام الشهي، وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام، ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام . تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم، وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، وانظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام، والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول.
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهباَ، أتحب بيع سمعك وزن " ثهلان " فضة، هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكما، هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع، إنك في نعم عميمة وأفضال جسيمة، ولكنك لا تدري . تعيش مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً وعنك الخبز والدفء، والماء البارد، والنوم الهانىء، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود، تنزعج من خسارة مالية وعندك مفتاح السعادة، وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء، فكر واشكر (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) فكر في نفسك، وأهلك، وبيتك، وعملك، وعافيتك، وأصدقائك، والدنيا من حولك (( يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها )) .


السبب الثاني


ما مضى فات
تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاه، والحزن لمآسيه حمقٌ وجنون، وقتل للإرادة وتبديد للحياة الحاضرة . إن ملف الماضي عند العقلاءً يطوى ولا يروى، يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان، يقيد بحبال قوية في سجن الإهمال فلا يخرج أبداً، ويوصد عليه فلا يرى النور، لأنه مضى وانتهى، لا الحزن يعيده، لا الهم يصلحه، لا الغم يصححه، لا الكدر يحيـيه لأنه عدم . لا تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت، أنقذ نفسك من شبح الماضي، أتريد أن ترد النهر إلى مصبه والشمس إلى مطلعها، والطفل إلى بطن أمه، واللبن إلى الثدي، والدمعة إلى العين، إنك بتفاعلك مع الماضي، وقلقلك منه واحتراقك بناره، وانطراحك على أعتابه تعيش وضعاً مأساوياً رهيباً مخيفاً مفزعاً.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة، ذكر الله الأمم وما فعلت ثم قال: (( تلك أمةٌ قد خلت )) انتهى الأمر وقضي، ولا طائل من تشريح جثة الزمان، وإعادة عجلة التاريخ .
إن الذي يعود للماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلاً، وكالذي ينشر نشارة الخشب . وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي: لا تخرج الأموات من قبورهم، وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم أنهم قالوا للحمار لم لا تجتر ؟ قال: أكره الكذب .
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا , نهمل قصورنا الجميلة، ونندب الأطلال البالية، ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا لأن هذا هو المحال بعينه .
إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف؛ لأن الريح تتجه إلى الأمام والماء ينحدر إلى الأمام والقافلة تسير إلى الأمام، فلا تخالف سنة الحياة .


السبب الثالث


يومك يومك
إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، اليوم فحسب ستعيش، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره، ولا الغد الذي لم يأت إلى الآن . اليوم الذي أظـلتك شمسه، وأدركك نهاره هو يومك فحسب، عمرك يوم واحد، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه , حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه، وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب، لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدك وجدك، فلهذا اليوم لا بد أن تقدم صلاة خاشعة وتلاوة بتدبر واطلاعاً بتأمل، وذكراً بحضور، واتزاناً في الأمور، وحسناً في خلق، ورضاً بالمقسوم، واهتماماً بالمظهر، واعتناءً بالجسم، ورضاَ بالمقسوم، واهتماماً بالمظهر، واعتناءً بالجسم، ونفعاً للآخرين .
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات، ومن ثوانيه شهور، تزرع فيه الخير، تسدي فيه الجميل تستغفر فيه من الذنب، تذكر فيه الرب، تتهيأ للرحيل، تعيش هذا اليوم فرحاً وسروراً، وأمناَ وسكينة، ترضى فيه برزقك، بزوجتك، بأطفالك بوظيفتك، ببيتك، بعلمك، بمستواك (( فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين )) تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج، ولا سخط، ولا حقد، ولا حسد .
إن عليك أن تكتب على لوح قـلبك عبارة واحدة تجعلها أيضاَ على مكتبك , تقول العبارة: يومك يومك .
إذا أكلت خبزاً حاراً شهياً هذا اليوم فهل يضرك خبز الأمس الجاف الرديء، أو خبز غد الغائب المنتظر .
إذا شربت ماءً عذباَ زلالاً هذا اليوم، فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الأجاج، أو ماء غدٍ الآسن الحار .
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة عارمة لأخضعتها لنظرية: لن أعيش إلا هذا اليوم .
حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك، وتزكية عملك ، فتقول: لليوم فقط أهذب ألفاظي فلا أنطق هجراً أو فحشاً، أو سباً، أو غيبة، لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي، فلا ارتباك ولا بعثرة ، وإنما نظام ورتابة . لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي ، وتحسين مظهري والاهتمام بهندامي ، والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي .
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي، وتأدية صلاتي على أكمل وجه، والتزود بالنوافل، وتعاهد مصحفي، والنظر في كتبي، وحفظ فائدة، ومطالعة كتاب نافع .
لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن .
لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الآخرين , وأسدي الجميل إلى الغير، أعود مريضاً، أشيع جنازة، أدل حيران، أطعم جائعاً، أفرج عن مكروب، أقف مع مظلوم، أشفع لضعيف، أواسي منكوباً، أكرم عالماً، أرحم صغيراً، أجل كبيراً .
لليوم فقط سأعيش فيا ماضٍ ذهب وانتهى : اغرب كشمسك فلن أبكي عليك ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة ؛ لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد الآبدين .
ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الأحلام، ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجل ميلاد مفقود ؛ لأن غداً لا شيء لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكوراً .
يومك يومك أيها الإنسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها .

السبب الرابع


اترك المستقبل حتى يأتي
(( أتى أمر الله فلا تستعجلوه )) لا تستبق الأحداث، أتريد اجهاض الحمل قبل تمامه ، وقطف الثمرة قبل النضج ، إن غداً مفقود لا حقيقة له ، ليس له وجود ولا طعم ولا لون ، فلماذا نشغل أنفسنا به ونتوجس من مصائبه ونهتم لحوادثه ونتوقع كوارثه، ولا ندري هل يحال بيننا وبينه أو نلقاه فإذا هو سرور وحبور ، المهم أنه في عالم الغيب لم يصل إلى الأرض بعد . إن علينا أن لا نعبر جسراً حتى نأتيه، ومن يدري؟ لعلنا ننفق قبل وصول الجسر، أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا، وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلام .
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوتٌ شرعاً؛ لأنه طول أمل، ومذموم عقلاً ؛ لأنه مصارعة للظل. إن كثيراً من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع والعري والمرض والفقر والمصائب، وهذا كله من مفردات مدارس الشيطان (( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ولله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً )) .
كثيرٌ هم الذين يبكون ؛ لأنهم سوف يجوعون غداً، وسوف يمرضون بعد سنة، وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام . إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم ، والذي لا يدري متى يموت لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له .
اترك غداً حتى يأتيك ، لا تسأل عن أخباره ، لا تنتظر زحفه ؛ لأنك مشغول باليوم .
وإن تعجب فعجبٌ هؤلاء يقترضون الهم نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ير النور، فحذار من طول الأمل .

السبب الخامس


كيف تواجه النقد الآثم
الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في علاه، وشتموا الواحد الأحد لا إله إلا هو، فماذا أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ ، إنك سوف تواجه في حياتك حرباً ضروساً لا هوادة فيها من النقد الآثم المر، ومن التحطيم المدروس المقصود، ومن الإهانة المتعمدة ما دام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمع، ولن يسكن هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتفر من هؤلاء، أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسوؤك ويبكي عينك، ويدمي مقلتك، ويقض مضجعك .

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالناس أعداءٌ له وخصوم

إن الجالس على الأرض لا يسقط، والناس لا يرفسون كلباً ميتاً، لكنهم يغضبون عليك لأنك فقـتهم صلاحاً، أو علماً، أو أدباً، أو مالاً، فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك ونعم الله عليك، وتنخلع من كل صفات الحمد، وتنسلخ من كل معاني النبل، وتبقى بليداً غبيًا، صفراً محطماً، مكدوداً , هذا ما يريدون بالضبط .
إذاَ فاصمد لكلام هؤلاء ونقدهم وتشويههم وتحقيرهم " اثبت أحد" وكن كالصخرة الصامتة المهيبة تتـكسر عليها حبات البر لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء . إنك إن أصغيت لكلام هؤلاء وتفاعلت معه حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك ، ألا فاصفح الصفح الجميل، ألا فأعرض عنهم ولا تك في ضيق مما يمكرون . إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ، وبقدر وزنك يكون النقد الآثم المفتعل .
إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤلاء ولن تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيع أن تدفن نقدهم وتجنيهم بتجافيك لهم، وإهمالك لشأنهم، وإطراحك لأقوالهم (( قل موتوا بغيظكم ))

ما أبالي أنب بالحزن تيس
أو لحني بظهر غيب لئيم

بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك .

إذا محاسني اللاتي أدل بها
كانت عيوبي فقل لي كيف أعتذر

إن كنت تريد أن تكون مقبولاً عند الجميع محبوباً لدى الكل سليماً من العيوب عند العالم فقد طلبت مستحيلاً وأملت أملاً بعيداً .
قال حاتم :

وكلمة حاسدٍ من غير جرم
سمعتُ فقلت مري فانفذيني
وعابوها علي ولم تعبني
ولم يند لها أبداً جبيني

السبب السادس

لا تنتظر شكراً من أحد

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
خلق الله العباد ليذكروه ورزق الله الخليقة ليشكروه، فبعد الكثير غيره، وشكر الغالب سواه؛ لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم (( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله )) .
وطالع سجل العالم المشهود، فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه، وأدبه، وعلمه، سهر لينام، وجاع ليشبع، وتعب ليرتاح، فلما طر شاب هذا الابن وقوي ساعده، أصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافاً، ازدراءً، مقتاً، عقوقاً، صراخاً، عذاباً وبيلا ً.
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر، ومحطمي الإرادات، وليهنؤوا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه .
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل، وعدم الإحسان للغير، وإنما يوطنك على انتظار الجحود والتنكر لهذا الجميل والإحسان، فلا تبتـئس بما كانوا يصنعون .
اعمل الخير لوجه الله، لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضر غمط من غمطه، ولا جحود من جحده، واحمد الله لأنك المحسن، وهو المسيء، واليد العليا خير من اليد السفلى (( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً )) .
وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحود عند الغوغاء، وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوه وتمرده (( مر كأن لم يدعنا إلى ضرٍ مسه)) لا تفاجاً إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك، أو منحت جافياً عصاً يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، فشج بها رأسك، هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه، فكيف بها معي ومعك .

أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني