كان عاوز يطلع طيار مثل جده،
كان بيحلم يسوق طيارة ويطلع لفوق مثل عمو جمال،
كان الجد الطيب يقص عليه أحسن القصص من ماض جميل،
كان الجد يحلق بالحفيد عاليا فوق السحاب بطائرة يمطر بقذائفها الأعداء،
جدو كان طيارا عظيما، قائدا من قواد أكتوبر العظام،
كان الحفيد يتيه فخرا، يتمثل الجد فى حله وترحاله.
جدو طيب قوى، كان بيخبى لمحمد الشيكولاته مخصوص،
محمد كان ممنوع عليه أكل الشيكولاتة، وزنه قابل للزيادة،
لكن الجد الحنون لم يكن يحتمل نظرة حرمان واحدة فى عيون قرة العين وبهجة النفس.
كان شبه جدو بالضبط فى حركاته وسكناته، حسنى مبارك التانى،
مرتين فى الأسبوع على الأقل، يصر على زيارة الحفيد،
كان يذهب سريعا للقاء الحبيب،
كان حبيبه وابن حبيبه علاء،
كان يلاعبه ويشاكسه، يلعبان كاراتيه معا، يا حزن قلب الرجل.
كان يأنس إليه وينصت كثيرا، كان الجد يجد لدى الحفيد ما تسر به النفس وتبتهج به الروح،
أجمل الاوقات وألذ اللحظات كان يقضيها فى معية الصبى اللطيف،
كان طيفا، نسمة طرية تخفف عليه مشاق السفر فى هموم الغلابة من بسطاء المصريين.
محمد كان يحب جدو أكتر من الشيكولاتة، محمد كان بونبونة جده
، يمضغ كلماته، ويهضم حركاته، محمد كان روح جده، قلبه، عقله.
الحفيد الصغير كان بيناغى، محمد بيسأل وبيستفسر من جدو،
كان جدو يعده رجلا، جده مصنع الرجال، وكما وهب لمصر نسورا لا يهابون،
كان يتمناه محلقا، كانا يحلقان فى فضاء دنيا الصبى الصغير.
الجدة الطيبة سوزان كانت ترى فيه مشروع فنان، رسام، عازف،
كثيرا ماحدثت الفنان فاروق حسنى عن موهبة محمد البازغة، كانت تتيه برسوماته،
تغزل من خطوطه شالا من الأحلام، ريشته كانت ترسم حقولا خضراء، وشجرة وزرعا ونهرا،
قبل الرحيل إلى روضة السماء، طلبت الجدة من فاروق صقل موهبة الصغير الفنية،
يعد للصغير برنامجا فنيا، أوبرا ومسرح وموسيقى، تشكيلا لمعالم فنان لم تكتمل،
وشاء الله وكانت مشيئته، لا راد لقضائه.
عندما كان محمد يغيب عن الجد طويلا كان الجد يسافر إليه حيث يكون،
آخر مرة ذهب إليه فى الأقصر لينعم برؤياه، ما كان مسموحا أن يغيب عن ناظريه طويلا،
كان ينتظر موعده على أحر من الجمر.
أنظار الجدة وجل مشاعرها كانت تحيط محمد بالرعاية والعناية فى حله وترحاله،
لم يكن يغيب عن عقلها، وجدانها مشغول عليه، مهمومة بمذاكرة محمد،
تقضى أجمل أوقاتها وهو يراجع معها دروسه.
كانت تستمع إلى صوت عمرها الشجى فتغمرها موسيقى حنون،
بيديها كانت تختار لمحمد ألوانه، ترسم هندامه، كم كانت مشرقة ألوان الصبى،
تحمل عنه همومه الصغيرة، تغزل من أحلامه خططا للمستقبل كان تتمنى أن تراه موسيقارا تشغف بموسيقاه القلوب.
وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن،
وإنا لفراقك لمحزونون،
إلى دار البقاء ذهب الصغير محمد مسرعا لا يلوى على شىء،
لأول مرة ينسى وداع جدو الطيب،
لم يمهله القدر حتى يودعه،
اختطفه طائر الموت من بين أحضان والده علاء، مكلوم علاء، قلب الأب، قلب الأم هايدى عليه مفطور،
نحتسبه عند الله.
الرؤساء بشر لو تعلمون، ويحزنون، حزنا نبيلا، واعر
الحزن العميق لما يسكن براح القلب، يحتله، ثقيلا على النفس الطيبة،
لا حول ولا قوة إلا بالله.
الكلمات الصغيرة لا تمحو الأحزان الكبيرة، والمصاب كبير،
فلتحتسب عند الله حبيبك وابن حبيبك وقرة عينك،
حسبك الله، حسبك ذو الجلال والإكرام،
اللهم أفرغ عليه صبرا، اللهم ألهمه السلوان،
بلسم ألمه بلمسات حانية وضاءة،
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب.
فى مديح الصبر تتعدد الآيات البينات،
ولكن فى وصف الألم تعجز الكلمات،
فى وصف الحزن لا توفى العبرات،
الحزن يجثم على النفس بكلكل،
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.
بقلم حمدى رزق ٢٠/ ٥/ ٢٠٠٩
-------------
من جد الى جد تتلاقى المشاعر
وتتعاضد السواعد و ترقرق العبرات
فنحن بشر ابناء الارض الطيبة
كلنا هذا الرجل وقلوبنا معه